يشعر المرء أحيانًا بأن وقته يمر بسرعة للغاية وأن العديد من المهام تتراكم عليه ويجد نفسه يومًا بعد يوم يؤجل إنجازها، ويعد ما يحدث مألوفًا عند الكثير من الناس ويؤثر على حياتهم اليومية, وهو ما يعرف بالتسويف, الذي يعد ظاهرة منتشرة بشكل كبير وتعمل على عرقلة تحقيق أهدافهم وإنجاز المهام التي يجب عليهم القيام بها ولكن ما هو التسويف؟

يمكن الإشارة إلى أن مفهوم التسويف يندرج تحت مسمّى كونه مجرد تأجيل المهام، ولكنه في الحقيقة تأخير الفرد للمهام الضرورية وتفضيل البدء بالمهام غير العاجلة عليها. فالتسويف فعل سلبيّ له أبعاد أكبر من ذلك تؤثر على حياة الشخص بصورة واضحة.

في هذا المقال، سنتعرف على ما هو التسويف و توضيح أسبابه وتأثيره على حياة الفرد من عدة نواحي, وما سبب خلط بعض الأفراد بين التسويف والمماطلة حتى يتمكن الفرد من فهم أسباب التسويف, فلا يضَيِّع وقته ويتجه نحو تحقيق أهدافه بثقة وكفاءة.

ما هو التسويف؟

ما هو التسويف

يتسائل الكثير من الناس ما هو التسويف وبسبب معرفتهم المحدودة عن ماهية ما يقومون به دون إدراكهم ويعتبرونه تأجيلاً عاديًا ولكن يمكن توضيح المفهوم الصحيح من التسويف على أنه: 

التسويف: هو عادة سلبية يفعلها الفرد عندما يماطل في إنجاز مهامه العاجلة, من جهة أخرى يركز فقط على بعض المهام الممتعة والبسيطة التى تعطيه سعادة مؤقتة, فهو لا يعتبر مجرد كسل أو عدم تنظيم الوقت وإدارته, لكن له عواقب سيئة تؤدى للشعور بالندم بسبب إدراكه لعدم إنجازه هذه الواجبات المهمة وقيامه بتضييع وقته, فالرغبة بمعرفة ما هو التسويف تأتي في مرحلة البحث عن حلٍ له.

ما هي العلاقة بين التسويف والمماطلة؟

بالرغم من أن التسويف والمماطلة يشيران إلى سلوك مشابه، إلى أن هناك اختلافات دقيقة بينهما حيث أن:

  • التسويف: هو عملية تشير إلى تأجيل القيام بالمهام أو الأنشطة المحددة، وتتم ممارسة هذه العادة السلبية غالبًا بسبب قلة التحفيز أو الرغبة في البدء. حيث أن الشخص المُسوّف يميل إلى تأجيل الأعمال الأكثر أهمية ذات الأولوية القصوى ويفضل تسليمها في وقت لاحق، وذلك رغم العواقب السلبية مُحتمَلَة الحدوث.
  •  المماطلة: هي عملية تشير إلى تأجيل القيام بالمهام بصورة عامة، بغض النظر عن تحديد مدى أهمية أو عَجَلة الأنشطة. حيث أن الشخص المماطل يميل إلى تأجيل القيام بالأعمال بشكل عام، سواء كانت هامة أو غير هامة، وغالبًا ما يشعر بصعوبة في بدء المهام وإكمالها.

من هنا يمكن استنتاج وجود علاقة بين التسويف والمماطلة, وتوضيح الإجابة حول ما هو التسويف على أنه نوعٌ من أنواع المماطلة، لذ ومن الجدير بالذكر أن الأشخاص قد يتبنّون نمطًا من التسويف أو المماطلة بشكل عام في حياتهم يكون لهذا النمط تأثيرًا سلبيًا على الحياة الشخصية والمهنية.

 ما هي أسباب التسويف؟

أسباب التسويف النفسية والعملية

بعد أن تعرفنا عن ما هو التسويف، سنتطرق الآن للحديث عن أسباب التسويف التي تتمثل في كونها عمليات متتالية من التأجيل, فهو من أكثر السلوكيات السلبية التي تؤثر على إنتاجية الشخص وتطوير الذات, وتعمل على تعطيل تحقيقه للمهام بشكل متكرر وقد تكون أسبابه متفاوتة من شخص لآخر. لذا سنقوم بتسليط الضوء على الأسباب الشائعة للتسويف:

أولاً: عوامل نفسية وسلوكية تؤدي إلى التسويف

يمكن أن يكون التسويف والمماطلة نتيجة لعدة عوامل نفسية وسلوكية. نستعرض بعضًا من أسباب التسويف: 

  • قلة التحفيز والرغبة: عندما يفتقد الشخص التحفيز والرغبة في القيام بالمهام، فإنه قد يجد نفسه قادرًا على التسويف بشكل كبير, أو قد يكون العمل مملًا وغير مثير، مما يحبط رغبته في البدء والاستمرار.
  • انعدام التنظيم وإدارة الوقت: قد يسهم انعدام التنظيم وعدم القدرة على إدارة الوقت في زيادة التسويف. فعندما لا يكون لدى الفرد ترتيب ووضوح في المهام والأولويات التي هو ملزوم بتنفيذها وأدائها، فإنه قد يجد صعوبة في البدء والحفاظ على التركيز.
  • الانتقال إلى المكافأة الفورية: عندما يكون المرء مغرمًا بالتسلية الفورية والأنشطة الترفيهية، فإنه يتخطى القيام بالواجبات الهامة ويقوم بالتأجيل لفعلها لاحقًا.
  • قلة الثقة في القدرة الذاتية: إذا كان الشخص يشكِّك في قدرته الذاتية على إكمال المهام بنجاح حتى وإن كانت سهلة، فقد يتجنبها ويُسوَّف؛ بسبب خوفه من مواجهة التحديات الصعبة أو القيام بأخطاء والندم عليها.

ثانياً: تأثير الخوف من الفشل وعدم القدرة على التعامل مع المهام

يعد الخوف من الفشل وعدم القدرة على التعامل مع المهام من أكثر التحديات النفسية ومن أسباب التسويف الصعبة التي تواجه الفرد ولها عدة عوامل تجعله يشعر بهذا الاحساس سنذكرها تاليًا:

  • تجارب سابقة سلبية: إذا كان لديه تجارب سابقة منها أنه فشل في إكمال مهمة معينة أو تحقيق النجاح المرجو، فقد ينشأ لديه القلق والخوف من تكرار نفس الفشل وتؤثر هذه التجارب السلبية على ثقته بالقدرة على التعامل مع المهام المماثلة في المستقبل.
  • الضغط الاجتماعي: يمكن أن يكون للضغط الاجتماعي تأثير كبير على خوف الفرد من الفشل وعدم القدرة على التعامل مع المهام. فقد يشعر بالقلق بشأن ردود الفعل والتقييمات السلبية من الآخرين إذا فشل في تحقيق أهدافه. هذا الضغط قد يؤثر على ثقته بنفسه ويضعف قدرته على التفوق والحفاظ على النجاح.
  • الخوف من النجاح: قد يبدو الأمر غريبًا، ولكن بعض الأشخاص يعانون من الخوف من النجاح، ويرجع هذا إلى القلق من المسؤولية المرتبطة بالنجاح والتوقعات المرتفعة للحفاظ على هذا النجاح في المستقبل بتكوين سلسلة نجاحات منتظمة. هذا الخوف يمكن أن يمنعهم من محاولة تحقيق أهدافهم ويدفعهم إلى التسويف بشكل غير مقصود.
  • قلة الثقة بالنفس: أحيانًا يشعر الفرد بالقلق وقد يكون لديه شكوكًا بنفسه ويعتقد أنه غير كُفء على إكمال المهام بنجاح، مما يؤثر على قدرته على التحرك قدمًا ومواجهة التحديات.

 ما هي تأثيرات ونتائج التسويف على حياة الفرد؟

بشكل عام يمكن القول أن التسويف وتأجيل القيام بالمهام أو الالتزامات قد يؤثر على حياة الفرد تأثيرًا بالغًا سواءً على المستوى النفسي والجسدي أو حتى على المستوى المهني والاجتماعي. عن طريق زيادة الضغط النفسي، وتدهور الأداء والإنتاجية، وتأخير التطور الشخصي. الآن سنتعرف على تأثيره على الصحة النفسية خلال الأسطر القادمة.

تأثير التسويف وضرره على الفرد

  • تأثير التسويف على الصحة النفسية

يمكن أن يؤثر التأجيل سلبًا على الصحة النفسية للفرد فعندما يقوم الشخص بالتفاني في إتمام مهامه والتزاماته؛ يتراكم عليه الشعور بالضغط النفسي والقلق؛ مما يؤدي إلى تدهور حالته النفسية، وفي النهاية قد يشعر الفرد بالعجز والاستياء بسبب عدم القدرة على أداء واجباته اليومية والحياتية في الوقت المحدد.

  • تأثير التسويف على الصحة الجسدية

للتسويف أثر سلبي كبير على الصحة الجسدية، فقد يبدو كسلوك بسيط وغير مضر في البداية، إلى أنه ومع مرور الوقت فإنه يترتب على ذلك زيادة فى مستويات التوتر والقلق بسبب تراكم الضغوطات، وقد يتعرض الفرد لبعض الأمراض المرتبطة بالتوتر, مثل ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب. وقد يؤدي إلى اضطرابات النوم، ويرجع ذلك إلى الشعور بالندم وقلة القدرة على التركيز. وأحيانًا يؤدي إلى تراجع اللياقة البدنية؛ مما يسبب معاناة الفرد من سوء التغذية؛ مما يدفعه إلى زيادة استخدام الأدوية المهدئة والمضادة للاكتئاب كوسيلة للتعامل مع القلق المتراكم.

  • تأثير التسويف على حياة الفرد الاجتماعية

يؤثر التسويف على حياة الفرد الاجتماعية بعدة طرق مثل، ضعف العلاقات الشخصية بسبب عدم التزامه بالمواعيد المتفق عليها مع الآخرين، أو وفائه بالوعود التي قطعها؛ مما يؤدي إلى ضعف الثقة وانعدام وجود احترام بينه وبين الآخرين، فقد يفوت الشخص العديد من الفرص المهمة للمشاركة في الأنشطة الاجتماعية فيزيد ذلك لديه الشعور بالوحدة. وأحيانًا توجد بعض الانعكاسات السلبية على سمعة الفرد بسبب عدم اهتمامه بالجانب الاجتماعي لديه مع الآخرين.

  • تأثير التسويف على حياة الفرد المهنية

ينعكس تأثير التسويف والتأجيل بالسلب على أداء ومعدل تقدم الفرد في عمله، فمثلاً قد يسبب التأثير على الإنتاجية وافتقار عمله إلى الفعالية مما يخفض كفاءته في العمل، وفقدان فرص الترقية والتقدم المهني؛ وبالتالي يتراجع مساره فتتأثر سمعته المهنية فيُنظَر إليه على أنه غير ملتزم وغير موثوق، وقد يؤدي كلاً من التسويف والمماطلة إلى زيادة مستويات التوتر والضغط النفسي وارتفاع مستويات الإجهاد بسبب ضغط الوقت لإنجاز المهام المتراكمة.

الخاتمة

بعد أن تمت الإجابة عن ما هو التسويف، وقمنا بتوضيح مجموعة من الأمور المتعلقة به؛ يمكننا أن نستنتج أنه أمر يمكن أن يؤثر على حياة المرء بشكل كبير وواضح فعندما يقوم الفرد بتأجيل التزاماته يفقد الفرصة في الاستفادة من الوقت والطاقة المتاحة لديه لتحقيق أهدافه ونجاحاته الشخصية. وبعد أن تعرفنا على آثار التسويف السلبية التي تؤدي إلى انخفاض معدل الرضا الذاتي والثقة بالنفس وزيادة احتمالية التعرض للاكتئاب؛ تحتاج إلى التعامل مع التسويف ومحاولة علاجه, إذْ انه يعد مشكلة خطيرة حتى تتمكن من الحفاظ على صحتك من جميع النواحي.